وكونوا مع الصادقين
إن من أهم الصفات التي ينبغي أن يعتني بها المرتقي في منازل السائرين إلى الله .. وأن يجتهد في تحصيلها ( الصدق مع الله بجميع أنواعه ) . قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
· قال الشيخ أبو بكر الجزائري : أي : اتقوا الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه وكونوا من الصادقين في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم تكونوا مع الصادقين في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
· وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهـدي إلى البر ، و إن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ..]- متفق عليه - الله أكبر تُكتب عند ملك الملوك أنك صديقٌ ..
· قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : إعلم أن الصدق قد يستعمل في معان : أحدها : الصدق في القول ، فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه ، ولا يتكلم إلا بالصدق .
· تنبيه : ينبغي أن يراعى معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله { وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ..... } .
فإن كان قلبه منصرفاً عن الله مشغولاً بالدنيا فهو كاذب .
ثانياً : الصدق في النية والإرادة ، وذلك يرجع إلى الإخلاص .. فإن مازَج عمله شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية ، وصاحبه يجوز أن يكون كاذباً .. كما في حديث الثلاثة : العالم ، والقارئ والمنفق .. أول من تسعر بهم النار .
ثالثاً : الصدق في العزم والوفاء به ، فنحو أن يقول : إن أتاني الله مالاً تصدقت بجميعه .. فهذا عزيمة قد تكون صادقة ، وقد يكون فيها تردد .. قال تعالى : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ...... } .
رابعا : الصدق في الأعمال ، وهو أن تستوي سريرته مع علانيته حتى لا تدل أعماله الظاهرة على خلاف ما في باطنه.
· قال مطرف بن عبدالله رحمه الله: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته .. قال الله : هذا عبدي حقاً .
خامساً : الصدق في مقامات الدين ، وهو أعلى الدرجات .. كالصدق في الخوف والرجاء والحب ...
· ولنضرب للخوف مثلاً : ما من عبدٍ يؤمن بالله إلا و هو خائف من الله خوفاً ينطلق عليه الإسم .. وهو غير بالغ إلى درجة الحقيقة .. ألا تراه إذا خاف سلطاناً كيف يرتعد خوفاً من وقوع المحذور .. ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شيء من ذلك عند فعل المعصية .!!!
· قال عامر بن قيس رحمه الله : عجبت للجنة نام طالبها .. وعجبت للنار نام هاربها . اهـ
· أعلى مراتب الصدق : قال ابن القيم رحمه الله : أعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية وهي :
1- كمال الانقياد للرسول عليه الصلاة والسلام .
2- وكمال الإخلاص للمرسِل .
وتوضيح ذلك : أن يكون العبد منقاداً إلى الله ورسوله في كل شيئ .. في أقواله وأفعاله وأحواله ، ظاهراً وباطناً ، سراً وعلانية ، وأن يكون عنده تسليم كامل واذعان تام ، فلا اعتراض ولا شك ولا تردد ولا تثاقل ولا تأخر في انقياده لله ورسوله ، ومع ذلك يكون في كل ذلك يريد به وجه الله وحده لا شريك له ، فلا سمعة ولا رياء ، ولا يريد به حظوظاً من حظوظ الدنيا ...